تعد مشكلةُ النِّفاياتِ البلاستيكيةِ من أخطرِ التحدياتِ البيئيَّةِ التي تواجهُ العالمَ في القرنِ الحادي والعشرينَ، حيثُ باتَت هذهُ النِّفاياتُ تتراكمُ بشكلٍ هائلٍ في المحيطاتِ والأنهارِ والبيئاتِ الطَّبيعيَّةِ على حدٍ سواء، مِمَّا يُشكِّلُ تهديدًا كبيرًا للحياةِ البريةِ وصحَّةِ الإنسانِ على حدٍّ سواء. فقد أدّى الاستخدامُ المفرطُ والاعتمادُ الكبيرُ على الموادِّ البلاستيكيةِ في مجالاتَ متعدِّدةٍ كالتَّعبئةِ والتَّغليفِ والنقلِ والصّناعاتِ المختلفةِ إلى زيادةٍ غيرِ مسبوقةٍ في حجمِ النِّفاياتِ البلاستيكيةِ، في حين أنَّ معدّلاتِ إعادةِ تدويرِها لا تزالُ متدنِّيةً بالمقارنةِ مع الكمياتِ الهائلةِ التي تُنتَجُ يوميًا.
وفي ظلِّ هذه الظروفِ، أصبح من الضروريِّ ابتكارُ حلولٍ فعّالةٍ ومستدامةٍ لإدارةِ هذه النِّفاياتِ وتقليلِ تأثيرِها البيئيِّ السلبيِّ. تعتبرُ عمليَّةُ إعادةِ تدويرِ البلاستيكِ إحدى أبرزِ هذه الحلولِ، إذ تُمكِّنُ من تحويلِ النِّفاياتِ البلاستيكيةِ إلى موادَّ قابلةٍ للاستخدامِ مجددًا، ما يساعدُ في التقليلِ من استنزافِ المواردِ الطبيعيةِ والتخفيفِ من التلوثِ البيئيِّ. غير أنَّ هذا المجالَ يواجهُ العديدَ من التحدياتِ المُعقَّدةِ والفنيَّةِ والاقتصاديَّةِ، التي تعيقُ تطبيقَ برامجِ إعادةِ التدويرِ بصورةٍ فعّالةٍ وواسعةِ الانتشار.
في هذا المقال، سنسلِّطُ الضوءَ على الواقعِ الحاليِّ لإعادةِ تدويرِ البلاستيكِ على مستوى العالمِ، وسنوضحُ أبرزَ العقباتِ والتحدياتِ التي تُواجهُ هذه الصناعةَ الحيويةَ، من حيثُ تنوعِ الموادِ البلاستيكيةِ وصعوباتِ الفرزِ والتكلفةِ الاقتصاديةِ والبُنيةِ التحتيَّةِ غيرِ الكافيةِ. كما سنستعرضُ في قسمِ المستقبلِ الأفكارَ الحديثةَ والتقنيَّاتِ المتطورةَ التي يُمكنُ أن تُسهمَ في تحسينِ أداءِ عملياتِ إعادةِ التدويرِ وتوسيعِ نطاقِها، إضافةً إلى دورِ السياساتِ الحكوميةِ والتوعيةِ المجتمعيةِ في دعمِ هذه الجهودِ لتحقيقِ استدامةٍ بيئيَّةٍ حقيقيَّةٍ.
الواقع الحالي لإعادة تدوير البلاستيك على المستوى العالمي يُظهر تحديات كبيرة بالرغم من جهود متزايدة، إذ تُعاد تدوير نسبة ضئيلة جداً من البلاستيك المستخدم، حيث لا تتجاوز نسبة إعادة التدوير عالميًا نحو 9% من إجمالي الإنتاج، بينما يتجه أكثر من 79% من البلاستيك إلى مكبات النفايات أو يلقى في البيئة، ويتم حرق 12% آخر. تنتج الأرض سنويًا أكثر من 430 مليون طن من البلاستيك، مع توجه متزايد نحو إنتاج البلاستيك أحادي الاستخدام الذي يشكل حوالي ثلث الكمية المنتجة، ما يزيد من حجم النفايات وصعوبة إدارتها. حجم سوق البلاستيك المعاد تدويره بلغ 51.10 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو إلى 107.13 مليار دولار بحلول عام 2032، مع هيمنة منطقة آسيا والمحيط الهادئ على السوق بحصة 60.55% عام 2023. تواجه إعادة التدوير تحديات تقنية واقتصادية منها تعقيد تعدد أنواع البلاستيك، وغالبًا عدم جدوى التكاليف، إضافة إلى البنية التحتية المحدودة في عدة مناطق.
أما في مصر، فإن واقع إعادة تدوير البلاستيك يشهد تطورًا نسبيًا لكنه ما زال محدودًا مقارنة بحجم النفايات المتولدة. تشير المصادر إلى أن مصر تواجه تحديات في جمع وفرز النفايات البلاستيكية بشكل فعّال، مع اعتماد غير كامل على تقنيات إعادة التدوير الحديثة، مما يحد من القدرة على الاستفادة من المواد البلاستيكية المعاد تدويرها على نطاق واسع. تمتلك الدولة برامج ومبادرات لتعزيز التوعية وتحسين البنية التحتية الخاصة بإدارة النفايات الصلبة، ومنها البلاستيك، لكنها تحتاج إلى دعم تقني ومالي أكبر لبناء منظومة إعادة تدوير متكاملة
واجه عملية إعادة تدوير البلاستيك على الصعيدين العالمي والمصري عدة تحديات رئيسية معقدة تقنيًا واقتصاديًا وتنظيميًا، تؤثر بشكل مباشر على كفاءة وفعالية إعادة التدوير وانتشاره. نستعرض أولاً هذه التحديات ثم ننتقل لأبرز التجارب العالمية التي تواجه هذه العقبات:
التحديات الرئيسية لإعادة تدوير البلاستيك في العالم
تنوع وتعقيد أنواع البلاستيك: توجد أنواع كثيرة من البلاستيك تختلف في خصائصها الفيزيائية والكيميائية، وبعضها مثل البلاستيك متعدد الطبقات أو المركب لا يمكن إعادة تدويره بسهولة باستخدام التقنيات التقليدية، مما يصعّب عمليات الفرز والمعالجة ويقلل جودة المادة المعاد تدويرها.
التلوث والخلط: بقايا الطعام والمواد اللاصقة والأوساخ على البلاستيك تؤدي إلى تلوث المواد المعاد تدويرها، مما يقلل من قيمتها ويحد من إمكانية استخدامها في تطبيقات حساسة.
الجدوى الاقتصادية والتكلفة العالية: إعادة التدوير مكلفة مقارنة بصناعة البلاستيك الجديد، حيث تشمل التكاليف جمع وفرز ونقل ومعالجة البلاستيك، كما تنخفض الأرباح بسبب محدودية الطلب على المواد المعاد تدويرها في الأسواق.
نقص البنية التحتية المناسبة: في العديد من الدول، خاصة النامية، تقل مرافق إعادة التدوير، وتفتقر إلى التكنولوجيا المتقدمة اللازمة لتحقيق كفاءة عالية في الفرز والمعالجة.
الثغرات التنظيمية والسياسية : ضعف أو عدم اتساق القوانين والتنظيمات البيئية، وعدم فرض سياسات مثل مسؤولية المنتج الموسعة، يحد من التزام الشركات والمستهلكين بإعادة التدوير، كما تفتقر الأسواق إلى الحوافز لتشجيع استخدام البلاستيك المعاد تدويره.
سلوك المستهلك ونقص الوعي: عدم التزام المستهلكين بفصل النفايات بشكل صحيح وتقصير في التوعية المجتمعية يقللان من جودة المواد المعاد تدويرها ويزيدان من نسب الإهدار.
تحديات تقنية حديثة: معالجة البلاستيك الكيميائي الذي يفكك المواد إلى مكوناتها لجودة عالية لا تزال في مراحل التطوير التجريبي، وتحتاج إلى تمويل ودعم أكبر لتشغيلها على نطاق صناعي واسع.
تطبيقات الاستخدام النهائي محدودة الجودة: المنتجات المصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره غالبًا ما تكون أقل جودة مقارنة بالبلاستيك الأصلي، مما يحد من استخدامها في صناعات تتطلب مواد عالية الأداء مثل السيارات والإلكترونيات.
التحديات في مصر
في مصر، تتشابه التحديات مع العالم لكنها أكثر تفاقمًا بسبب:
- نقص التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية بالنفايات.
- ضعف البنية التحتية لنظام جمع وفرز النفايات البلاستيكية.
- اعتماد تقنيات تقليدية وأحيانًا غير فعالة في إعادة التدوير.
- نقص التمويل والدعم الحكومي الكافي لتحديث منظومة التدوير.
- انخفاض الوعي المجتمعي بأهمية إعادة التدوير والممارسات الصحيحة للفصل
أبرز تجارب الدول في مواجهة تحديات إعادة تدوير البلاستيك
كوريا الجنوبية
تطبيق نظام فرز نفايات صارم مع قوانين تفرض على المواطنين فصل المخلفات، بالإضافة إلى استخدام تكنولوجيا حديثة في الفرز والمعالجة.وفرضت حظرا على الأكياس البلاستيكية
الأثر: ارتفاع نسبة إعادة التدوير إلى 31-34%، وتحسن جودة المواد المعاد تدويرها.
ألمانيا
تبني سياسات "مسؤولية المنتج" وتطوير بنية تحتية متقدمة للمصانع، مع توفير تحفيزات مالية للشركات التي تستخدم مواد معاد تدويرها. واصدرت قانون البلاستيك أحادي الاستخدام الذي بدأ تطبيقه في 2023
الأثر: استدامة اقتصادية وبيئية واضحة في قطاع إعادة التدوير.
السويد
استثمار كثيف في تقنيات إعادة التدوير الكيميائية والتحلل الحراري، إلى جانب حملات توعية مستمرة للمواطنين.واطلقت خطه وطنية تهدف الى تقليل الاستهلاك للأكياس البلاستيكية والأكواب والأوعية وتقليل النفايات في البيئة البحرية، مع الالتزام بصافي الإنبعاثات صفرية من الغازات الدفيئة بحلول 2045
الأثر: تقليل كبير في النفايات البلاستيكية الملقاة وتوفير مواد خام ثانية ذات جودة عالية.
الصين (قبل 2018)
كانت تستقبل نفايات البلاستيك من العالم مما ساعد في تدوير كميات هائلة، لكنها أغلقت السوق لاحقًا لتنظيم نفاياتها. أطلقت خطة خمسية تتضمن الحد من إنتاج واستخدام البلاستيك أحادي الاستخدام بحلول 2025، وتعزيز البحث في البدائل القابلة للتحلل، وتحسين نظام إعادة التدوير والتخلص من النفايات البلاستيكية، مع تنظيف المناطق الحساسة بيئيًا.
الأثر: أثر الإغلاق عالميًا على سوق إعادة التدوير وجعل الدول المصدرة تبحث عن حلول محلية بديلة.
مصر
اعتمدت استراتيجية وطنية لتقليل استخدام الأكياس البلاستيكية، مع أهداف محددة للحد من الاستهلاك بحلول 2025 و2030، وفرض نظام المسؤولية الممتدة للمنتج الذي يُلزم المصنعين بإدارة النفايات التي تُنتجها منتجاتهم،
بدأت عدة مبادرات مثل حملات التوعية وتحسين بعض مراكز الفرز، لكنها تحتاج إلى نقل تجارب الدول المتقدمة في تطوير البنية التحتية، فرض سياسات تنظيمية صارمة، وحث القطاع الخاص على الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة لتحسين منظومة إعادة التدوير
مواجهة تحديات إعادة تدوير البلاستيك تتطلب
- استحداث تقنيات متقدمة وفعالة تناسب مختلف أنواع البلاستيك.
- تعزيز التشريعات واللوائح البيئية وتحفيز الاقتصاد الدائري.
- رفع وعي المستهلكين والموظفين في مجالات الجمع والفرز.
- دعم مالي وتقني مستدام من الحكومات والمؤسسات.
- تبني نماذج تعاون دولية للاستفادة من تجارب الدول الرائدة.