ماذا يعني طرح النهر؟
طرح النهر هو عملية ترسيب يقوم بها النهر عند اقترابه من مصبه في البحر أو المحيط أو بحيرة، حيث يقل اندفاع الماء وتقل سرعته، فلا يستطيع حمل الرواسب (مثل الطمي والرمال والحصى) ويتم ترسيبها في المناطق القريبة من المصب مكونة تربة خصبة غنية صالحة للزراعة.
ظاهرة طرح النهر بالمنوفية
دلتا نهر النيل في مصر المعروفة بكلها المثلث هي نتيجة لهذه الظاهرة، ومن المحافظات التي توجد بها أراضي طرح النهر بالدلتا هي: الدقهلية، وكفر الشيخ، والغربية، والمنوفية، والبحيرة، والشرقية.
وعرف الدكتور محمد غيث أستاذ التخطيط طرح نهر بأنه يعني الطمي المتكون على جانبي النيل بفعل حركات المياه، بما يشكل جزء إضافي للتربة على جانبي مسار النهر، وتعتبر جزء من النهر لايجوز البناء عليه، وكما سنرى خلال المقال أنه توجد أراء كثيرة تحذر المزارعين من الزراعة في أراضي طرح النهر التي تعد جزء من النهر قابل للغمر لأسباب مختلفة سنذكرها لاحقًا. يستغل أهالي القرى التي تشتهر بأراضي طرح النهر تلك الأراضي في الزراعة حيث إنها من أغنى وأكثر الأراضي خصوبة في مصر نظرا لتمتع تربتها الطينية بالمعادن الغنية.
لقد سمعنا جميعا عن كارثة غرق ٢٠ فدانا بالمنوفية بمراكز أشمون، ومنوف، والسادات، وتلك الظاهرة تتكرر سنويا في تلك المحافظة. لكن اشتكى الآهالي من إن الارتفاع كان مفاجئا وغير المألوف وأدى إلى تدمير الأراضي الزراعية والمحاصيل وإلى خسائر مادية جسيمة.
الأراء المختلفة في أزمة طرح النهر
• صرحت وزارة الري أن أراضي طرح نهر هي جزءا من نهر النيل وامتدادا ليه وأنها غير مخصصة للزراعة بالرغم من خصوبتها وخبراتها لكن لا سبيل لمنع المياه من التدفق وأنها معرضة للغمر في أي وقت خصوصا في مواسم الفيضانات والأمطار الموسمية.
• يعتقد الدكتور عباس شراق، أستاذ الجيولوجيا وخبير الموارد المائية أن سبب حدوث هذه الكارثة هى فتح بوابات سد النهضة بأثيوبيا لتفريغ كمية من المياه المدخرة استعدادا لموسم الفياضانات والأمطار في شهر يونيو القادم حتى يستوعبها السد مما أدى إلى أرتفاع منسوب مياه نهر النيل عن المألوف وتدمير أراضي طرح النهر وغمرها بالمياه.
ذكر الدكتور أيضا أن سد النهضة غير قادر على استيعاب كميات كبيرة من الماء كما كان مخطط له نظرا لمشكلة بتوربيناته مما يدفع أديس أبابا لتصريف ما يقرب من 20 مليار متر مكعب من مياهه في الأشهر القادمة. هذا يعني أن أراضي طرح النهر في المنوفية لن تكون الضحية الوحيدة واراضي الطرح بمحافظات الدلتا المختلفة معرضة لنفس الخطر.
وأكد أنه يعتقد أنه لا علاقة لتغير المناخ بهذه الظاهرة: "أن حرارة الجو لم ترتفع بعد حيث أننا في فصل الربيع وفيه متوسط الحرارة نهارا 20-30 درجة مئوية، والتغيرات الهيدرولوجية في نهر النيل تحتاج مئات بل آلاف السنوات، وكذلك التغيرات المناخية، ولكن التذبذب في إيراد النيل يحدث منذ آلاف السنين منها السبع سنوات السمان والسبع العجاف، وسنوات الجفاف فى الفترة 1981-1987.... ".
وصرح بأنه يجب التفاوض بين مصر والسودان معهم لتلافي كوارث محتملة تهدد الأراضي الزراعية.
وفقا للمهندس محمد غانم المتحدث باسم وزارة الرى أن نسبة طبيعية وفي العام الماضي كانت أعلى من الارتفاع الحالي في أراضي طرح النهر. وأكد على تحمل المزارعين مسئولية غمر أراضيهم لأنه تم الاتفاق مسبقا معهم أن تلك الأراضي جزءا من نهر النيل ومعرضة للغمر طوال الوقت ولا يوجد ضمان لردع ذلك. كما وضح أنها أراضي حق انتفاع يمكن استغلالها في فصل الشتاء فقط.
ووضح أن الزيادة طبيعية تحدث بجميع الترع والرياحات وبالنيل وفروعه استعدادا لموسم الصيف ومحاصيله مثل الأرز التي يناسبها المياه الغزيرة.
بالطبع توجد أراء ترجح أن تغير المناخ هو أحد العوامل التي أدت إلى غرق أراضي طرح النهر بشكل خاص وعلى الزراعة بشكل عام.
أشارت الدكتورة سهام هاشم استاذة الاقتصاد الزراعي وقسم العلوم البيئية بجامعة عين شمس بأن القطاع الزراعي في مصر معرض للخطر بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع منسوب البحر المتوقع وصوله ل ٢ سنتيمتر مما سيؤدي إلى غرق أراضي كثيرة في الدلتا وتهجير مواطنين يعيشون في المناطق المحيطة ببعض المناطق تحديدا مناطق أرضي طرح النهر التي يوجد بها العديد من المخالفات من البناء حول الأراضي مما يعرض المنازل لخطر الغرق.
وأشارت إلى أنه بحسب الدراسات الحديثة أنه هناك ارتفاع في مستوى سطح البحر بنحو ١١.٣٥ سنتيمتر في منطقتي رشيد ودمياط أدى لحدوث تراجع في خط الشاطئ ومتوقع أن يرتفع لمترين آخرين مما يسفر عن تدمير ربع أراضي الدلتا الزراعية.
وعرضت بعض الحلول لتلافي أضرار الارتفاع الناتج عن تغير المناخ مثل زراعة واستنباط أصناف جديدة تتحمل درجات الحرارة والملوحة والجفاف ويكون موسم نموها قصير. ونشر الوعى بين المزارعين بخصوص قضية تغير المناخ والمحافظة على الثروة الزراعية.
ويعد مركز أشمون الذي تعرض لكارثة غرق أراضي طرح الأرض ومحافظة المنوفية بشكل عام من أكثر محافظات الدلتا تأثرا تغير المناخ. يظهر ذلك في مجلة البحوث العلمية التي أصدرت عام ٢٠٢٠ وأعدت بواسطة الاستاذتين درية محمد وسمر جمال تخت عنوان "مستوى وعي المزارع بالتغيرات المناخية وآثارها على المحاصيل الزراعية في محافظتي المنوفية والبحيرة" حيث أشاروا أن قطاع الزراعة هو أكثر القطاعات تأثرا بتغير المناخ.
أشاروا أن تغير المناخ يؤثر على نوع التربة ودرجه الملوحة ومستوى الماء الارضي بالإضافة إلى عوامل المناخية كدرجة الحرارة الكبرى والصغرى وطول النهار وعدد ساعات الليل ومعدل سقوط الامطار ونسبه الرطوبة واتجاه الرياح وسرعتها.
وقامت الباحثتان باستبيان لقياس درجة وعي المزارعين في محافظه المنوفية تحديدا مركز اشمون حيث لاحظوا أن ٪15.5 فقط لديهم إدراك مرتفع بالآثار السلبية لتغير المناخ والممارسات الخاطئة التي تؤدي لكوارث بيئية.
ختاما، من المؤكد أن الإجابة على سؤال المقال هي أن تغير المناخ له دورا في غرق أراضي طرح الأرض ولكن يجب على المجتمع البحث في حلول للظاهرة ووفقا للآراء المذكورة في الأعلى، إن كان السبب شد النهضة فيجب التنسيق مع أثيوبيا بخصوص منسوب المياه واستيعاب للسد وتعبئته لأن الكميات الغزيرة إن كان السبب صرف مياه السد لن تكون كارثة على أراضي طرح الأرض فقط بل على الأراضي الزراعية كلها. بالإضافة إلى نشر الوعي بخصوص الممارسات غير الصديقة للبيئة والتي تؤدي إلى تلوث المناخ وارتفاع درجات الحرارة. وأخيرا، ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي التي تعد مسئولية الكوكب كله ليس مصر فقط ولن يكن في مقدرة أي دولة بمفردها حل هذه المشكلة التي ستؤدي إلى إغراق مدن وأراضي في المستقبل غير البعيد إن لم يتم ردع كل مسبباتها.
إعداد/ دينا أحمد عبد العظيم