تشكل التغيرات المناخية تحديًا متزايدًا للأمن الغذائي في إفريقيا، حيث تؤدي الظواهر الجوية المتطرفة، مثل الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، إلى تراجع الإنتاج الزراعي وندرة الموارد المائية، مما يفاقم معدلات الجوع وسوء التغذية، خاصة في المناطق التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للغذاء والدخل. ومع تفاقم الأزمات العالمية، تزداد الضغوط على الأنظمة الغذائية، مما يجعل من الضروري تبني استراتيجيات مستدامة لتعزيز قدرة القارة على التكيف وضمان الأمن الغذائي لمليارات السكان.
في هذا السياق، يشكل تغير المناخ تهديدًا خطيرًا للزراعة، حيث تواجه المحاصيل الأساسية، مثل القمح والذرة، صعوبة في التأقلم مع ارتفاع درجات الحرارة. فمع زيادة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، ستنخفض غلة المحاصيل بنسبة 10%، وقد يصل الانخفاض إلى 20% إذا ارتفعت الحرارة أكثر من ذلك. وإذا بلغ الاحترار 3 درجات مئوية، ستصبح مناطق زراعة الذرة غير صالحة تمامًا، مما يعرض الأمن الغذائي للخطر، خاصة أن الذرة وحدها توفر نحو نصف السعرات الحرارية والبروتين في جنوب وشرق إفريقيا.
نظرة عامة على تأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي في إفريقيا
80% من الكوارث العالمية مرتبطة بتغير المناخ، مما يؤثر سلبًا على الأمن الغذائي.
8 مليارات هو العدد المتوقع لسكان العالم بحلول 2024-2030، مما يزيد من الضغط على الأمن الغذائي.
17% انخفاض متوقع في غلة المحاصيل الرئيسية بحلول 2050، رغم تطبيق تقنيات التكيف الزراعي.
25% زيادة متوقعة في تكاليف الغذاء بحلول 2050 بسبب تأثيرات تغير المناخ.
تشهد منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى مجموعة من الأزمات المتداخلة، تشمل أزمة الغذاء، والوقود، والأسمدة، التي تفاقمت بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى جانب التأثيرات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، وارتفاع التضخم والديون، والتغيرات المناخية الحادة. وتشير التقديرات إلى أن 10.2 مليون شخص في دول الساحل الخمس (بوركينا فاسو، تشاد، مالي، موريتانيا، والنيجر) عانوا من انعدام الأمن الغذائي بين يونيو وأغسطس 2023، من بينهم أكثر من 900 ألف في حالة طوارئ، وأكثر من 45 ألف شخص في بوركينا فاسو ومالي واجهوا المجاعة. كما يعاني ما لا يقل عن 36 مليون شخص في منطقة القرن الإفريقي من انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث تواجه إثيوبيا وكينيا والصومال أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود.
وفي ملاوي وموزامبيق، أدى إعصار فريدي عام 2023 إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، مثل الذرة، بنسبة 300%، مما زاد من تفاقم أزمة الأمن الغذائي في المنطقة.
ورغم الحاجة الملحّة للسيطرة على التضخم وضمان استدامة الديون، يظل التصدي لانعدام الأمن الغذائي أولوية قصوى، إذ يعتمد عليه توفير الاحتياجات الغذائية الأساسية لمليار شخص في إفريقيا وحماية تطورهم الإنساني. وتشير التقديرات إلى أن واحدًا من كل خمسة أفارقة يعاني من الجوع، بينما يواجه حوالي 140 مليون شخص في القارة مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، وفقًا لتقرير الأزمات الغذائية العالمي لعام 2022.
وفي الوقت نفسه، تعاني منطقة القرن الإفريقي من جفاف مستمر، بينما ارتفعت أسعار القمح وزيت عباد الشمس بشكل كبير في الدول التي تعتمد على روسيا وأوكرانيا في استيراد هذه السلع، مما جعلها بعيدة عن متناول الشرائح الأكثر ضعفً.
جهود البنك الدولي لتعزيز الأمن الغذائي
وافقت مجموعة البنك الدولي في مايو 2022 على برنامج بقيمة 2.3 مليار دولار لتعزيز قدرة النظم الغذائية في شرق وجنوب إفريقيا على مواجهة انعدام الأمن الغذائي المتزايد. تأتي هذه المبادرة استجابةً للصدمات المتكررة التي يتعرض لها النظام الغذائي، مثل الطقس المتطرف، وتفشي الأمراض، وعدم الاستقرار السياسي، والصراعات، إضافةً إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا التي أثرت على أسواق الغذاء والوقود والأسمدة.
يهدف برنامج مرونة النظم الغذائية إلى تحسين أنظمة الإنذار المبكر، والتخطيط للاستجابة السريعة، وتقديم الدعم الطارئ للمنتجين، إضافةً إلى تعزيز احتياطيات الغذاء. وستستهدف المرحلة الأولى إثيوبيا ومدغشقر، حيث يعاني الملايين من الجفاف وانعدام الأمن الغذائي، إلى جانب دعم منظمات إقليمية مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD) ومركز تنسيق البحوث الزراعية والتنمية في جنوب إفريقيا (CCARDESA).
بالإضافة إلى الاستجابة الفورية، يركز البرنامج على استراتيجيات طويلة الأجل لتعزيز الإنتاج الزراعي المستدام، وإصلاح سياسات الغذاء، وتحسين قدرة الأسواق. كما سيتم إنشاء صندوق ائتماني مستقل متعدد المانحين لدعم جهود الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، بمشاركة جهات دولية، مثل المفوضية الأوروبية، ووزارة الخارجية الهولندية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وبنك التنمية الألماني.
يواصل البنك الدولي توسيع دعمه لتعزيز الأمن الغذائي ومرونة أنظمة الغذاء في شرق وجنوب إفريقيا، حيث وافق مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي على تمويل بقيمة 903 ملايين دولار من المؤسسة الدولية للتنمية (IDA) لدعم 2.8 مليون شخص إضافي. يشمل هذا التمويل:
جزر القمر (40 مليون دولار)
كينيا (150 مليون دولار)
ملاوي (250 مليون دولار)
الصومال (150 مليون دولار
تنزانيا (300 مليون دولار)
مفوضية الاتحاد الإفريقي (13 مليون دولار)
وذلك ضمن المرحلتين الثانية والثالثة من برنامج مرونة أنظمة الغذاءFSRP) ) في المنطقة.
تم إطلاق المرحلة الأولى من البرنامج في يونيو 2022 لدعم إثيوبيا ومدغشقر، إلى جانب هيئتين إقليميتين. ومع تقدم المراحل الثلاث الأولى، من المتوقع أن يستفيد من البرنامج خمسة ملايين شخص بشكل مباشر، مما يعزز قدرة المنطقة على مواجهة الأزمات الغذائية والتحديات المناخية.
دعوة للتحرك
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الأمن الغذائي في إفريقيا، أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة ومستدامة لمواجهة تأثيرات تغير المناخ، وارتفاع تكاليف الغذاء، والتقلبات الاقتصادية. يجب على الحكومات، والمؤسسات البحثية، والجهات الفاعلة في التنمية، تعزيز الاستثمارات في الأنظمة الغذائية المستدامة، ودعم المزارعين بالتقنيات الحديثة، وتطوير سياسات مرنة تعزز التكامل الإقليمي والتجارة الزراعية.
كما ينبغي توفير حلول قائمة على البيانات، وتحسين البحوث الزراعية، وبناء قدرة المجتمعات على التكيف مع الأزمات. فالأمن الغذائي ليس مجرد قضية محلية، بل هو تحدٍّ عالمي يتطلب التزامًا جماعيًا وتحركًا فوريًا لضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.
إعداد
داليا رجب على